تأملات رمضانية
شعر/ أحمد محمد صديق
أطِلّي عَلَيْنا مِنْ سَمائِكِ كالبَدْرِ
فلَيْلُ السُّرَى مِنْ حَوْلِنا تائِهُ الفَجْرِ
أطِلّي .. فَفِي طَياّتِكِ النُّورُ والهُدى
هُوَ البَلْسَمُ الشاّفي لأَدوائِنا الكُثْرِ
ويا ذِكْرياتِ المجْدِ سِفْرُكِ حافِلٌ
تُطَالِعُنا آياتُهُ مِنْ حِمى (( بَدْرِ))
وتَنْفَحُنا مِنْ رَوْعةِ (( الفَتْحِ )) نفْحَةٌ
تَموجُ لها الأَحْلامُ ضاحِكَةَ الثَّغْرِ
رأيْنا فُلولَ الشِّرْكِ كيفَ تحَطّمَتْ
على صَخْرَةِ الإِيمانِ في وَقْعَةِ الدّهْرِ
وكيفَ تَحَدىّ الفَجْرُ جَيشَ ظَلامِهمْ
وخَطَّ سَبيلَ المؤْمِنينَ إِلى النّصْرِ
وأَعْلَنَ أَنَّ الحَقَّ لابُدَّ ظافِرٌ
ولوْ بعْدَ حِين ٍفانَتظِرْ ساعَةَ الصِّفْرِ
رَسُولُ الهُدى قدْ كانَ للناسِ رَحْمَةً
تَشِعُّ بأنوارِ الهِدايةِ والبِـرِّ
أقامَ بعَيْنِ اللهِ دَوْلتَهُ الّتي
هِي العَدْلُ في أعْلى مَراتبهِ الغُــرِّ
وَكُناّ بِه خيرَ الأنامِ .. فما لنَا
نُخالِفُهُ نحْـوَ الضَّلالَةِ والخُسْرِ ؟ !
بَواتِرُنا كانَتْ إذا التَمَعَتْ ضُحىً
يَـبِيتُ لهَا كِسْرى وقَيْصَرُ في ذُعْرِ
حَضارَتُنا كانَتْ هي العلْمُ والتُّقى
ولكنَّ هذا العَصْرَ يَفْخَرُ بالعُهْرِ
تَدورُ بِنا الأَيامُ .. والكُلُّ غافلٌ
وها نحنُ في التّـيهِ البَعيدِِ .. ولا نَدْري
ولولا انتفاضُ الرُّوحِ يَدْفَعُ رَكبَنا
ويَبْعَثُ ما في مَعْدِنِ التُّرْبِ مِنْ تِبْرِ
ولولا كِتابُ الله يَنْسابُ نورُهُ
حياةً .. لباتَ الكونُ أشْبَـهَ بالقَبْرِ
وأمْسَتْ بُيُوتُ الظّاعِنينَ مَلاعِباً
لِريحِ البِلى والقَصْرُ يَنْعَى على القَصْرِ
فيا إخْوةَ الإسلامِ عُودُوا لِرَبِّكُمْ
لَقَدْ ضَلَّ مِناّ الركّبُ في المَهْمَهِ القَفْرِ
وَقَدْ رانَ لَيْلُ الجاهليَّةِ ضارِباً
سُرادِقَهُ .. لا يَسْتَقيمُ على أمْـرِ
رَحيمٌ بنا رَبُّ السّماءِ .. وإنّهُ
لَيُمْهلُ .. والإنْسانُ يُمْعِنُ في الكُفْرِ
ألا أيُّها الإنسانُ إنّكَ كادحٌ
ولابُدَّ أَنْ تَلْقى غَداً حاصِلَ العُمْـرِ
فَإِماّ نَعيماً كُنتَ تَرْجوهُ مُوقِناً
وإماّ جَحيماً كنتَ تَغْـذُوهُ بالشَّرِّ
* * *
دَعا رَمضانُ الخَيْرِ كلَّ مُرابِطٍ
لَدَيْهِ .. فَلَبَّى المؤمنونَ على الإثْـرِ
وطافَتْ بهمْ ريحُ الجِنانِ عَليلةً
تَهُبُّ مِنَ الرّحمنِ .. ذائِعَةَ النَّشْـرِ
تَنَفَّسَ فيها الخُلْدُ حينَ تفتّحَتْ
أزاهيرُهُ البَيْضاءُ في (( ليلةِ القَدْرِ))
فَطُوبى لِمَنْ يَحْظى بِشَمِّ عَبيرِها
فَيَسْجُدُ مَغْشِياً عَلَيْهِ مِنَ البِشْـرِ
ويَضْرَعُ في حُبٍّ ويَبْكي من الجَوَى
ويَكْتُمُ أشْواقاً تأجَّجُ كالجَمْـرِ
ويُصْغِي إلى صَوْتِ السَّماءِ كأنَّهُ
صَدى خَفَقاتِ القَلْبِ يَنْبِضُ في الصَّدرِ:
صِيامُكَ مِفْتاحٌ لِكُلِّ فَضيلَةٍ
يُزوِّدُكَ التقوى .. ويُغْريكَ بالطُّهْـرِ
فقلْ مُخْلِصاً : آمَنْتُ باللهِ واستَقِمْ
وأَحْسِنْ لَهُ الأعْمالَ في السِّرِّ والجَهْرِ
هنا مَصْنَعُ الأبطالِ .. يَصْنَعُ أُمَّةً
وينفُخُ فيها قوةَ الرّوحِ والفِـكْرِ
ويَخلَعُ عنها كلَّ قَيْدٍ يَعوقُها
و يُعْلي منارَ الحَقِّ .. والصّدْقِ والصَّبْرِ
تَصومُ إذا صامَتْ عَنِ الفُحْشِ والخَنا
وتُفْطِرُ في مَنْأَىً عَنِ الرِّجْسِ والجَوْرِ
لها العِيدُ بُشْرى في الحَياةِ .. ومثلُهُ
وأَفضَلُ منْهُ يَوْمَ تُبْعَثُ في الحَشْرِ .